خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 14 محرم 1444هـ، الموافق 12 أغسطس 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 أغسطس 2022م بصيغة word بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 أغسطس 2022م بصيغة pdf بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 أغسطس 2022م بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع .
أولًا: شأنُ المسجدِ في الإسلامِ عظيمٌ.
ثانيـــًا: آدابُ المساجدِ في الإسلامِ.
ثالثـــًا: دورُ المسجدِ في بناءِ المجتمعاتِ.
رابعًا وأخيرًا: رسالةٌ إلى روادِ المساجدِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 أغسطس 2022م بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة بعنوان: المسجدُ مكانتُهُ وآدابُهُ ودورُهُ في المجتمعِ د. محمد حرز بتاريخ: 14 من المحرم 1443هــ – 12 أغسطس2022م
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ الجن: 18،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه أولٌ بلا ابتداء، وآخرٌ بلا انتهاء، الوترُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ كما في حديثِ أَنَسٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم ، مَنْ بَنَىِ للهِ مَسْجِدًا ، صَغِيرًا كَانَ ، أَوْ كَبِيرًا ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) (أخرجه التِّرْمِذِي) , فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102).
عبادَ الله: ((المسجدُ مكانتُهُ وآدابُهُ ودورُهُ في المجتمعِ )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: شأنُ المسجدِ في الإسلامِ عظيمٌ.
ثانيـــًا: آدابُ المساجدِ في الإسلامِ.
ثالثـــًا: دورُ المسجدِ في بناءِ المجتمعاتِ.
رابعًا وأخيرًا: رسالةٌ إلى روادِ المساجدِ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع
أولًا: شأنُ المسجدِ في الإسلامِ عظيمٌ.
أيُّها السادةُ: اعْلَمُوا أَنَّ الْمَسَاجِدَ هِيَ أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللهِ جلَّ وعلَا، وَأَشْرَفُهَا مَنْزِلَةً عند اللهِ، مَنْ أَحَبَّهَا للهِ، كَانَ حُبُّهُ لَهَا دِينًا وَعِبَادَةً، وَرِبْحًا وَزِيَادَةً، وَمَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا، أَظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ عَرْشِهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، صِيَانَتُهَا عَنِ الأَدْنَاسِ قُرْبَةٌ، وَتَنْظِيفُهَا طَاعَةٌ، وَتَطْييبُهَا عِبَادَةٌ، مَن عَمَرَهَا بالصلاةِ والذكرِ، رفَعَه اللهُ جلَّ وعلا، وأسعَدَهُ في الدارين، وشرَحَ صدرَهُ، وكفاهُ همَّهُ، وتعليمُ الكتابِ والسنةِ فيها امتِثالٌ لأمرِ اللهِ ببنائِهَا، وإحياءٌ لسُنَّةِ سيدِ المرسلين فيها، وبركةٌ في الوقتِ والعملِ، وصلاحٌ للنفسِ والولدِ، مَن حُرِمَ فيها مِن الخيرِ أو صدَّ عنه فقد فاتَهُ فضلٌ عظيمٌ وشرفٌ كبيرٌ، وكيف لا ؟ والمساجدُ مكانُ لقاءِ العبدِ بربِّهِ جلَّ وعلا، حيثُ تتنزلُ الرحماتُ، وتُغفرُ الزلاتُ، وتُمحَى السيئاتُ، والمساجدُ هي بيوتُ اللهِ في أرضهِ، ومواطنُ عبادتِهِ وشكرهِ وتوحيدهِ، وهي مِن شعائرِ اللهِ التي يجبُ تعظيمُهَا، قال جلَّ وعلا: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾الحج: 32 وكيف لا ؟ والمساجدُ في الإسلامِ لهَا شأنٌ عظيمٌ، ومكانةٌ رفيعةٌ، وقدسيةٌ عظيمةٌ، ليستْ لغيرِهَا مِن البقاعِ حيثُ مدحَ اللهُ جلَّ وعلا عُمَّارَها ماديًّا ومعنويًّا فقالَ جلَّ وعلا)) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ))التوبة: 18 قال ابنُ رجبٍ -رحمهُ اللهُ-: عمارةُ المساجدِ تكونُ بمعنيينِ: أحدُهُمَا: عمارتُهُا الحسِّيَّةُ ببنائِهَا وإصلاحِهَا وترميمِهَا، وما أشْبَهَ ذلك. والثاني: عمارتُهُا المعنويَّةُ بالصلاةِ فيها، وذكْرِ اللَّهِ وتلاوةِ كتابِهِ، ونشرِ العلمِ الذي أنزلَهُ على رسولِهِ، ونحو ذلك.قالَ جلَّ وعلا: (( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ))النور36 : 37 قال ابنُ عباسٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ:أَيْ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَفْعِهَا، أَيْ: بِتَطْهِيرِهَا مِنَ الدَّنَسِ وَاللَّغْوِ، وَالْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تَلِيقُ فِيهَا. وعُمّارُ المساجدِ في جوارِ ربِّ العالمين يوم القيامةِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَيْنَ جِيرَانِي ؟ أَيْنَ جِيرَانِي ؟ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : رَبَّنَا ، وَمَنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَاوِرَكَ ؟ فَيَقُولُ : ” أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ ؟” (المطالب العالية بسند ضعيف).
وعمارُ المساجدِ في ظلِّ عرشِ الرحمنِ يومَ لا ظلَّ إلّا ظلهُ يومَ تدنُو الشمسُ مِن الرؤوسِ يومَ يلجمُ العرقُ الإنسانَ إلجامًا .فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ومنهم وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ) (متفق عليه)، ويفرحُ البارِي جلَّ جلالُهُ، بزوارِ المساجدِ لحديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ))، رواه ابن ماجه وابن خزيمة وإسناده صحيح.وكيف لا ؟والْمَسَاجِدُ هِيَ خَيْرُ الْبِقَاعِ في الأرضِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، كما في صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- ، قَالَ: ((خَيْرُ الْبِلَادِ وَأَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا))، فَهَذَا نَقِيضٌ وَنَقِيضٌ، هَذَا ضِدٌّ وَضِدُّهُ، مَسْجِدٌ وَسُوقٌ، وَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. فاللهُ اصطفَى مِن كلِّ شيءٍ أفضلَهُ، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون﴾ القصص 68، والمساجدُ نَسَبَها اللهُ عزَّ وجلَّ لنفسهِ؛ تعظيمًا لشأنِهَا: قال جلَّ وعلا ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ((الجن: 18 و قَال عُمَرَ -رضي اللهُ عنه وأرضاهُ : الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ فِي الأَرْضِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ.(رواه ابن أبي شيبة في مصنفه) والمساجدُ فيها السكينةُ والطمأنينةُ والرحمةُ والهدوءُ النفسي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ “(مسلم). لذا رتَّبَ اللهُ على بنائِهَا أجرًا عظيمًا وفضلًا كبيرًا فعن عُثْمَانَ بْن عَفَّانَ –رضي الله عنه–، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم – يَقُولُ: ((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى – يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ – بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ “(متفق عليه) لذا حذَّرَ الشرعُ مِن تعطيلِهَا ومنعِ عمارتِهَا قال ربُّنَا ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))البقرة: 114 .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع
ثانيـــًا: آدابُ المساجدِ في الإسلامِ.
أيُّها السادةُ: المساجدُ لها آدابٌ كثيرةٌ وعديدةٌ ينبغِي على المسلمِ أنْ يُراعِهَا لا يتسعُ الوقتُ لذكرِهَا منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر:
أولًا: صيانةُ المساجدِ عن الأذَى والقذرِ وتعهدُهَا بالحفظِ والرعايةِ وعدمِ إهانَتِهَا بقولٍ أو فعلٍ أو إقرارٍ كمَا علمنَا رسولُ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم-: مَهْ مَهْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم-: لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ ))(متفق عليه) ويدخلُ في ذلك إلقاءُ النجاساتِ والقاذوراتِ المختلفة، بل ومِمَّا تكرههُ النفوسُ كتقليمِ الأظفارِ وحلقِ الشعرِ وطرحِ المخلفاتِ وغيرِهَا. فعَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم– بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ، وَتُطَيَّبَ))أخرجه أبو داود بل وصيانتُهَا عن كلِّ ما يُؤذِي الناس، فتصانُ المساجدُ عن البزاقِ والنخامةِ فيها؛ لحديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ –صلَّى اللهُ عليه وسلم-: البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا)) متفق عليه بل صيانتُهَا أنْ لا يدخلهَا مَن أكلَ ثومًا أو بصلًا أو ما في معناهمَا مِمَّا لهُ رائحةٌ كريهةٌ مِن المأكولاتِ وغيرِهَا، أو يتعاطَى شربَ الدخانِ، أو كان يلبسُ ثيابًا منتنَ الرائحةِ؛ لأنَّه يُؤذِي إخوانَهُ المسلمين بمَا يصدرُ منه مِن روائحَ مستقذرةٍ؛ لحديثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– قَالَ: ” مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ، الثُّومِ – وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ “متفق عليه، وينغي أنْ يدخلَهُ على هيئةٍ حسنةٍ فيكونَ نظيفًا في ملابسهِ وبدنهِ، فلا يلبسْ ثوبَ نومٍ أو لباسًا لا يليقُ أو يُعابُ عرفًا، وحضورُ المسلمِ بهيئةٍ حسنةٍ إلى المسجدِ يدلُّ على اهتمامهِ بصلاتهِ وتعظيمهِ لها، فهو يعلمُ أنَّه سيقفُ بينَ يدي اللهِ مصلِّيًا، فيراهُ ربُّهُ -عزَّ وجلَّ- مستجيبًا لمَا أمرَهُ, قد أقبلَ عليهِ عبدُهُ متجمِّلًا ملبِّيًا دعوةَ المؤذنِ إلى الصلاةِ، لابسًا ما حسنَ مِن اللباسِ نظيفًا متطهِّرًا, طائعًا شاكرًا, مُظهِرًا نعمةَ اللهِ عليه, متجمِّلًا فإنَّ اللهَ –عزَّ وجلَّ– يحبُّ الجمالَ، في صحيحِ مسلمٍ أنَّ النبيَّ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– قال: “إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ“ويُؤدِّي صلاتَهُ خاشعًا مطمئنًا, يفعلُ ما أمرَهُ اللهُ فيها بأركانِهَا وواجباتِهَا وسننِهَا, ممتثلًا أمرَ ربِّهِ جلَّ وعلا (يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(الأعراف: 31)وينبغي أنْ تصانَ عن رفعِ الأصواتِ فيها، فمِن طبيعةِ المساجدِ أنَّها دارٌ للعبادةِ والتقربِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وهذا يتطلبُ جوًّا مِن الخشوعِ والهدوءِ لا يناسبهُ أنْ يرفعَ الناسُ أصواتَهُم، ويتأكدُ المنعُ إذا كان في رفعِ الصوتِ تشويشٌ على المصلين وشغلٌ لهم عن العبادةِ والخشوعِ فيها. فعن ابنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم-: “لِيَلِنِي مِنْكُمْ، أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ“(رواه مسلم) أي رفعُ الأصواتِ بهَا كالأسواقِ واختلاطِهَا ومِن الأصواتِ المزعجةِ إصدارُ النغماتِ الموسيقيةِ أو الأغانِي عبرَ الهواتفِ المحمولةِ وغيرِهَا مِن الأمورِ التي تحرمُ في كلِّ مكانٍ فضلًا عن المساجدِ. أيُّها الأخيارُ المساجدُ ليستْ معابدَ تُؤدَى فيها طقوسُ العباداتِ، وحركاتُ الصلواتِ فحسب، فالأرضُ كلُّها جُعلتْ لأمةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم مسجدًا وطهورًا، وتصلحُ لأداءِ الأركانِ والواجباتِ، عَنْ أبِي ذَرٍّ، قالَ: قُلتُ يا رَسولَ اللهِ، : أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أوَّلُ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: المَسْجِدُ الأقْصَى قُلتُ: كَمْ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً، وأَيْنَما أدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهو مَسْجِدٌ“(البخاري)ولكنَّ المساجدَ بيوتُ اللهِ يأوِي إليها المسلمُ منقطعًا عن صخبِ الحياةِ الماديةِ، ومتحررًا مِن قيودِ الهمومِ الدنيويةِ، فيجد فيها مراتعَ مِن رياضِ الجنةِ، ورياحين الفردوسِ..
ومِن آدابِ المساجدِ : محبةُ المساجدِ وتقديرُهَا، والنظرُ إليها بعينِ التكريمِ والتعظيمِ والتقديسِ والاحترامِ؛ لأنَّها بيوتُ اللهِ تعالى التي بُنيتْ لذكرهِ وعبادتهِ، وتلاوةِ كتابهِ وأداءِ رسالتهِ، ونشرِ تعاليمهِ وتبليغِ منهجهِ، وتعارفِ أتباعهِ ولقائِهِم على مائدةِ العلمِ والحكمةِ ومكارمِ الأخلاقِ..قال جلَّ وعلا :{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج (32).وعن أبي الدرداءِ رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال:{ المسجدُ بيتُ كلِّ تقيٍّ ، وتكفَّلَ اللهُ لمَن كان المسجدُ بيتَهُ بالرُّوحِ والرَّحمةِ ، والجَوازِ على الصِّراطِ إلى رِضوانِ اللهِ ، إلى الجنَّةِ} رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن، ورواه والبزار، ورجاله رجال الصحيح .
ومِن آدابِ المساجدِ: الدعاءُ عندَ الدخولِ إليهَا والخروجِ منها, ففي صحيح مسلمٍ أنَّ النبيَّ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– قال: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ))، ويُستحبُ أنْ لا يجلسَ حتى يُصلِّي ركعتين تحيةَ المسجدِ, كما في صحيح مسلمٍ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم– قال: “إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ))
ومِن آدابِ المساجدِ: تجنبُ الخصوماتِ والاشتغالُ بأمورِ الدنيا، كالبيعِ والشراءِ، والبحثِ عن ضائعٍ، وإنشادِ الضالةِ .فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال:{ إذا رأيتُم مَن يبيعُ أو يبتاعُ في المسجدِ فقولوا : لا أربحَ اللَّهُ تجارتَك، وإذا رأيتُم مَن ينشُدُ ضالَّةً فقولوا : لا رَدَّ اللَّهُ عليكَ} رواه الترمذي.وقال سعيدُ بنُ المسيّبِ: مَن جلسَ في المسجدِ فإنَّما يجالسُ ربَّهُ، فحقُّهُ ألا يقولَ إلّا خيرًا.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع
ثالثـــًا: دورُ المسجدِ في بناءِ المجتمعاتِ.
أيُّها السادةُ: مِمّا لا شكَّ فيهِ أنَّ للمسجدِ دورًا عظيمًا وكبيرًا في بناءِ المجتمعاتِ في جميعِ جوانبِ الحياةِ لذا عندما هاجرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم إلى المدينةِ المنورةِ التي أنارتْ واستضاءتْ بقدومِ المصطفَى صلَّى اللهُ عليه وسلم ، كان همُّهُ الأولُ أنْ يوطّدَ دعائمَ الدولةِ الإسلاميةِ فشهدتْ الأيّامُ الأولى مِن وصولهِ القيامَ بعددٍ مِن الخُطُوَاتِ المباركةِ والتي مِن شأنِهَا أنْ تؤمّنَ مستقبلهَا ، وتحمي أرضهَا ، وتنظّمَ العلاقاتِ بينَ أفرادِهَا .وكانتْ أُولَى نسماتِ الخيرِ التي أتتْ بها الهجرةُ المباركةُ ، بناءُ المسجدِ النبوي، فبعدَ أعوامٍ عديدةٍ مِن حياةِ الخوفِ والقلقِ، والمعاناةِ مِن الشدّةِ والتضييقِ، والحرمانِ مِن المجاهرةِ بالشعائرِ التعبديةِ، والاضطرارِ إلى الصلاةِ بعيدًا عن أعينِ الناسِ في الشعابِ والأوديةِ، أو خفيةً في البيوتِ، إذا بهم يجدونَ حريّتَهُم الكاملةَ في أداءِ صلاتهِم وإقامةِ شعائرِهِم دونَ خوفٍ أو وُجَلٍ في بيوتِ اللهِ تعالى، وقد وقعً اختيارُ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلم ـ على المكانِ الذي بركتْ فيه ناقتُهُ وقال: (( هذا إنْ شاءَ اللهُ المنزل )) رواه البخاري فكانَ أولَ أساسٍ وضعَهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم بعدَ وصولهِ المدينةَ لبناءِ الدولةِ الإسلاميةِ الجديدةِ .. فالمسجدُ في الإسلامِ لم يقتصرْ على إقامةِ الصلاةِ فقط، بل تعدَّى هذه الوظيفةَ الأساسيةَ إلى وظائفَ أخرى على جانبٍ كبيرٍ مِن الأهميةِ، وكان له أدوارٌ اجتماعيةٌ وتربويةٌ وتعليميةْ أسهمتْ في بناءِ هذه الأمةِ ونشرِ ذلك الدينِ، وكان مِن هذه الأدوارِ:
الدورُ الإيمانيُّ والتربويُّ للمسجدِ: فالمساجدُ مدرسةٌ للتربيةِ والأخلاقِ ,ورسالةُ المسجدِ في الإسلامِ تتركزُ في الدرجةِ الأُولى ياسادةٌ على التربيةِ الروحيةِ، لِمَ لصلاةِ الجماعةِ، وقراءةِ القرآنِ الكريمِ مِن ثوابٍ عظيمٍ وفضلٍ كبيرٍ ,كمَا فيه تعارفٌ ومحبةٌ وإخوةٌ وتعاونٌ وألفةٌ دعا إليها الاسلامُ ونبيُّ الاسلامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال جلَّ وعلا{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]والمسجدُ كفيلٌ بإيجادِ تعارفٍ أخويٍّ إيمانيٍّ لا يُنسَى، وللمسجدِ دورٌ تربويٌّ أيُّها السادةُ في تربيةِ النشءِ، فمِن واجبِ الأسرِ والمربين والمعلمين تعويدُ النشءِ على الارتباطِ بالمساجدِ وارتيادِهَا لا سيَّمَا المميزين منهم، مع تعليمِهِم آداب المسجدِ، فقد كان الصبيانُ المميِّزُ منهم وغيرُ المميِّزِ في عهدِ السلفِ يدخلون المسجدَ، ولا ينبغي تنفيرُ الأولادِ مِن بيوتِ اللهِ بحجةِ أنَّهم مصدرُ إزعاجٍ للمصلين، أو سببٌ لذهابِ الخشوعِ في الصلاةِ، فهذه حججٌ واهيةٌ، وما وسعَ الصحابةُ ينبغي أنْ يسعنَا، ومثلُ هذا الإزعاجِ إنْ صدرَ يمكنُ معالجتهُ بأساليبَ صحيحةٍ أخرى، غيرَ الطردِ مِن المسجدِ، فإنَّ الطردَ فيه مفاسدٌ كثيرةٌ، أولُهَا بُغضُ الصبيِّ للمسجدِ، ونفرتُهُ منه، لا سيَّمَا إذا كَبُرَ، وكفَى بهذهِ مفسدة، والشارعُ الحكيمُ حرصَ على ترغيبِهِم في الصلاةِ بالمسجدِ لا تنفيرِهِم منهُ، بالإضافةِ إلى تعويدِهم على الحضورِ للمسجدِ.
وينشأُ ناشيءُ الفتيانِ منَّا *** على ما كانَ عوّدَهُ أبوهُ
وللمسجدِ دورُهُ الأساسيُّ في تماسكِ المجتمعِ وتقويةِ الروابطِ الاجتماعيةِ ويجعلُ المجتمعَ نسيجًا واحدًا متماسكًا كمَا أرادَ اللهُ وبيَّنَ ذلك النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الصحيحين مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى“ وصدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقول كما في الصحيحين منْ حديث أَبِي مُوسَىـ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْه ـ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:“ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ“.
وللمسجدِ دورٌ في معالجةِ المشاكلِ والخلافاتِ والخصوماتِ فهو يعالجُ مشكلةَ الفقرِ وإشاعةَ التعففِ لدى الفقراءِ وحثهمْ على طلبِ الرزقِ، فقد أنزلَ اللهُ في أهلِ الصُّفَةِ(( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)) [البقرة: 273]. فكانَ المسجدُ متكفلًا بهم مراعيًا لهم، لا يألُو جُهدًا ولو بالقليلِ في إطعامِهِم وإدخالِ السرورِ عليهم، فإِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا.
ولقد كان المسجدُ على عهدِ النبيِّ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– مكانًا للإصلاحِ بينَ المتخاصمين ففي حديثِ كَعْبٍ، أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم– وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى: يَا كَعْبُ قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ:أَيِ الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ)) متفق عليه.
كما أنَّ للمسجدِ دورًا تعليميًّا ودعويًّا فكان مسجدُهُ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– مقرًّا لتعليمِ الأمةِ قولًا وعملًا، وكان أصحابُهُ يتحلَّقونَ حولَهُ، ليسمعُوا حديثَهُ، فعن أبي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم– بينما هو جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم– وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم–، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا: فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ: فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم– قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ((.
كما أنَّ للمسجدِ دورًا في القضاءِ على الفواحشِ المنتشرةِ في المجتمعاتِ مِن الرِّبَا والقتلِ والزنَا والانتحارِ، قال جلَّ وعلا :))اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45 . أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.
الخطبة الثانية الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ولا عدوانَ إلَّا علي الظالمين والعاقبةُ للمتقين، الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أمَّا بعدُ
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المسجد مكانته وآدابه ودوره في المجتمع
رابعًا وأخيرًا: رسالةٌ إلى روادِ المساجدِ.
أيُّها السادة:ُ يا روادَ بيوتِ اللهِ جلَّ وعلا في الأرضِ ….يا مَن أعدَّ اللهُ لكُم نُزلًا في الجنةِ ،يا مَن تولون وجوهَكُم شطرَ المسجدِ الحرامِ في صلواتِكُم ….. يا مَن وصفَكُم اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّكم رجالٌ لا تلهيهِم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكرِ اللهِ وإقامِ الصلاةِ ..يا مَن تُحافظون على الصلواتِ الخمسِ جماعةً في المسجدِ هنيئًا لكم…...مغفِرة الذنوبِ، لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم ))مَن توضَّأَ للصَّلاةِ فأسبغَ الوضوءَ ثمَّ مشى إلى الصَّلاةِ المَكتوبةِ، فصلاَّها معَ النَّاسِ أو معَ الجماعةِ أو في المسجدِ غفرَ اللَّهُ لَهُ ذنوبَهُ (رواه مسلم .. هنيئًا لكم الرِّباطَ في سبيلِ اللهِ: بكثرةِ الخُطَا إليهَا وانتظارِ الصلواتِ فيها لحديثِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم (( مَن غدَا إلى المسجدِ أو راحَ، أعدَّ اللهُ لهُ في الجنةِ نُزُلًا كلمَا غدَا أو راحَ (متفقٌ عليه. يا روادَ المساجدِ في المجتمعِ المسلمِ، اعلمُوا أنَّ المساجدَ ليستْ أماكنَ لأداءِ الصلاةِ فقط، ولكنها مراكزٌ للتعليمِ والتوجيهِ، ومؤسساتٌ للتربيةِ والتنشئة ِ،ومعاهدٌ للفقهِ الشرعيِّ، والبحثِ العلميِّ عن طريقِ ما يُعقدُ فيها مِن دروسٍ ومحاضراتٍ وندواتٍ، وما يُلقى على منابرِهَا مِن خطبٍ ومواعظِ ونصائحَ في مختلفِ جوانبِ الحياةِ الفرديةِ والجماعيةِ . فاللهَ اللهَ في المساجدِ، اللهَ اللهَ في بيوتِ اللهِ، فمِن المساجدِ تكونُ الهدايةُ والنجاحُ والتوفيقُ والسدادُ والجنةُ بفضلِ اللهِ جلَّ وعلا .
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف